نائبُ الموت


كريم عبد الله


( قصيدة بوليفونية متعددة الأصوات )

في البلادِ البعيدةِ التي يتكاثرُ فيها الموت، كانت الأزهار تنمو مسرعة بلا أوراقٍ وسيقانها عارية مصابة بأنيميا الفرح. يا للأغاني الحزينة، مستمرة ردّدها الجميع حتى انكيدو. لارسا تألقت معابدها وبساتينها الخضراء. اشارات مرور للمصفحات تزمجرُ وتعمّقُ الأخاديدَ في هديلِ كلِّ صباحٍ. مِنْ أينَ سيبدأُ الطوفان، ويفتّحُ عيونهُ اليرقانَ؟ ينتظرُ مَنْ يوقف شلاّلاتِ ليلٍ أحمق يتغشّى حكاياتٍ مكدّسة فوقَ الشفاه. مَنْ أذنَ لنائبِ الموتَ في حقولنا ينبحُ وتغمسُ إبتسامتهُ تواشيحَ الأنين ويستهلكُ رصيدَ الأبتسامات؟ أناشيدُ البكاء معلّقة على أستارِ الريح تهزُّ سروجَ الخيولِ الضامئة وقدْ سوّرتها ذئابٌ تصهلُ عالياً. يا إلهي كمْ أمطرت السماء أزهاراً ملغّمةً فوقَ الرؤوسِ الراكضةِ بلا أجسادٍ. لماذا لمَّ القمر أذيالهُ الفضيّة من الأنهارِ خجلاً يتقمّصهُ، وكلمّا تنامُ الحيتان الجديدة على أشجارِ الصفصاف، مرغمينَ نحملُ أوزارَ تفاهاتها. كمْ أنتَ رقيقٌ أيّها النائب حينَ تستلُّ بذورَ السعادةِ مِنْ بيادرهم؟

....
هامش بقلمك المؤلف: نائب الموت : هي نبوءة راودتني كثيرا قبل سقوط النظام بأيام قليلة , توقعت ان الموت سيرسل نائبه لهذه الارض وهو عنوان لأحدى مسرحياتي تتحدث عن نفس المضمون .




كريم عبد الله
العراق

























فَرَحٌ


  فريد غانم

حين أغلقَتِ المدينةُ سماءَها بستائرَ من دُخانٍ، راحَ الأسى يأخذُ شكْلَ الكَرنِفال، والنّقيضُ يرتدي أَلبسَةَ النّقيض. وعلى جُذوع الأشجارِ التي خلَعَت ألوانَها في اللّيل، يتفتَّحُ فِطرٌ من الخَشَب، فتُصابُ الجَماعةُ بوباءِ الإزاحةِ الجماعيّة. 
قلتُ: وإذن، ما الفَرَحُ؟
فقال لي: هو صاحبُ ألفِ لونٍ.
ثمَّ قال: هو خَالٌ في شكلِ عُصفورٍ على خَدِّ الصَّباح. هو حَبَّةُ طَلٍّ تسيلُ من بريقِ عَيْنٍ على شفَتَيْن ضاحكَتَيْن. هو طفلٌ يرفرفُ لالتقاطِ حبّةِ حلوى. هو شَقُّ بَحرٍ من المَعنى، بحرفٍ أو بحرفَيْن. هو القَمَرُ الذي يسقطُ في مرآةِ ماءٍ كي يستحمَّ. هو حِصانٌ جاء من البَياضِ النّقيِّ لينفُثَ بَخورَ المعابدِ من منخرَيْن. هو مشيةٌ امرأةٍ على إيقاع قلبٍ عاشقٍ. هو جرعةُ ماءٍ وسيجارةٌ بين قذيفتَيْن.هو التئامُ غمامةٍ وقتَ الغروبِ، في لوحةٍ لا تتكرَّرُ. 
هو الحضورُ اللّانهائيُّ عندَ اكتمالِ الفَراغ. وهو زمنُ الزّغاريدِ منهمرًا من شجَرِ الرِّياح.
قلتُ: وماذا أيضًا؟
فقالَ: هو حَفنةٌ من طَحينِ الوَقْتِ، في الطّريق الطّويل الطّويلِ، بين صرخةٍ وسكونٍ، بينَ بابَيْن.







فريد غانم
فلسطين




















أناشيد الشتاء



أنور غني الموسوي

- هذه المقطوعة كانت اول ما كتبته من سرد تعبيري في عام 1996، ثم راجعتها في 2003 ، ثم نشرتها بصيغتها النهائية في 2014 في مجلة الجسرة في عشرين صفحة بمساعدة الاخ العزيز عيسى ابو الراغب و نشرته في مجموعتي الشعرية (لغات1) في ( 2015). ومن الواضح بقاء اثر للرمزية و التشظي الحداثوي فيها الذي زال بعد ذلك من كتاباتي وصارت تتميز بالانسيايبة الكاملة. و لقد كان الاخ العزيز عادل قاسم اول من تنبأ بان هذا اللون من الشعر سيكون له أثره. ولقد كان اول من كتب هذا اللون معي حينذاك الاخوين فريد غانم و كريم عبدالله وسميناه السرد التعبيري ثم كونا نحن الاربعة و الاخت رشا السيد احمد مجموعة تجديد.

-------


"أناشيد الشتاء"
أناشيد الشتاء تغرق في الضباب، تترك في ذاكرة الشوارع نشوة لا تُنسى زواياه الباردة تحفل بالصمت، فأتجمّد في حلمي كشجرة غابٍ قديمة .
*
الصوت ينحني، يتلاشى في الفضاء العريض. ليس للكلمة إلا أن تسقط في الوحل. السفن البائسة تخترق أُذني. تلك الأزاهير تبتعد ،تتقيّأ الألم السرمديّ، توّرثه الأجيال و الحلم.
*
حكايات الحضارة تغرق في المحيط.قيل حتى مياه البحر، بما فيها من أساور و تواريخ قد إلتقمها الذباب في لحظة آسارة، فصارت معدته ينابيع دافئة.
*
قلب العالم يتقاعد كأرملة. لا مكان لحلم الإنسان. لا دفء و لا نشيد. سنابل القمح تعرّي ساقيها، تنحني خجلة فما في رؤوسها سوى الهواء الثقيل. أجل، للمغيب ألف أغنية ، لا يعرف عنها الفلاحون شيئا.
*
السنين ترتجف، قد أكل قشرتها الأطفال، فلم يبق للإنسان فسحة تسع إبتسامته. كلا، من الكذب جداً إتهام الجسد بآثام الإنسانية، فحبّ القمر غير محتاج لدم الطبيعة.







أنور غني الموسوي
العراق



















العدد الثاني؛ 2018