فَرَحٌ


  فريد غانم

حين أغلقَتِ المدينةُ سماءَها بستائرَ من دُخانٍ، راحَ الأسى يأخذُ شكْلَ الكَرنِفال، والنّقيضُ يرتدي أَلبسَةَ النّقيض. وعلى جُذوع الأشجارِ التي خلَعَت ألوانَها في اللّيل، يتفتَّحُ فِطرٌ من الخَشَب، فتُصابُ الجَماعةُ بوباءِ الإزاحةِ الجماعيّة. 
قلتُ: وإذن، ما الفَرَحُ؟
فقال لي: هو صاحبُ ألفِ لونٍ.
ثمَّ قال: هو خَالٌ في شكلِ عُصفورٍ على خَدِّ الصَّباح. هو حَبَّةُ طَلٍّ تسيلُ من بريقِ عَيْنٍ على شفَتَيْن ضاحكَتَيْن. هو طفلٌ يرفرفُ لالتقاطِ حبّةِ حلوى. هو شَقُّ بَحرٍ من المَعنى، بحرفٍ أو بحرفَيْن. هو القَمَرُ الذي يسقطُ في مرآةِ ماءٍ كي يستحمَّ. هو حِصانٌ جاء من البَياضِ النّقيِّ لينفُثَ بَخورَ المعابدِ من منخرَيْن. هو مشيةٌ امرأةٍ على إيقاع قلبٍ عاشقٍ. هو جرعةُ ماءٍ وسيجارةٌ بين قذيفتَيْن.هو التئامُ غمامةٍ وقتَ الغروبِ، في لوحةٍ لا تتكرَّرُ. 
هو الحضورُ اللّانهائيُّ عندَ اكتمالِ الفَراغ. وهو زمنُ الزّغاريدِ منهمرًا من شجَرِ الرِّياح.
قلتُ: وماذا أيضًا؟
فقالَ: هو حَفنةٌ من طَحينِ الوَقْتِ، في الطّريق الطّويل الطّويلِ، بين صرخةٍ وسكونٍ، بينَ بابَيْن.







فريد غانم
فلسطين