في مواعيدِ الفرحِ حقولُ الوطنِ أشجارٌ مثقلةٌ بالخيباتِ،
يسري السُّم في أثدائها المحقونةِ بالحقدِ، يتغلغلُ في غصونٍ عذراءَ. يسيلُ حليبها
المترعُ بألغامِ آخرِ ابتكاراتِ الحضارةِ على شفارِ أزرارِ الموت الحديثةِ أنهاراً
تشربهُ غزلانُ بلادي السَّمراءُ فتجفُّ فيها ينابيعُ الحياةِ، و ينتشي اليباسُ
بميلادِ الخرابِ.
تتقافزُ أسماكُ اليبابِ كجنادبِ الليلِ على سهولٍ خصبةٍ
مندَّاةٍ بالعطرِ، تخدعها بالخصبِ ؛ لتفتحَ ذراعيها لمنجلٍ أسودَ يقضمُ زروعها
الغضّةَ.
الأنهارُ لم تعدْ تركضُ بانتشاءٍ نحو البحر، صارتْ تفكرُ
كيفَ تصلْ للجناةِ بعد أن عمدتها دماءُ الأبرياءِ، ترفضُ أن تغتسلَ بالماء، رأيتها
تجمع أشلاءهم المتوسلةَ للشفاء تحتفلُ بجنازتهم عيونهم مقرَّحةٌ جرَّحتها الدموعُ.
كم تتلهفُ عيوني لشرنقةٍ بيضاءَ تنسجُ خيطَ سرورٍ في الكونِ
! تبحثُ عن بريقِ لؤلؤةٍ بين خلجانِ العيون، تحملها أيدي محارٍ تسابقُ العصافيرَ
إلى جزرِ السَّحابِ، تناشدُهُ حفنةً من أحلامٍ فيها يواقيتُ فرحٍ، أو قطراتِ سلامٍ
حسانُ بردى يتساءلون لِمَ النهرُ قطَّبَ حاجبيهِ؟ يا للخسارة ! أين النسورُ؟ زحفَ
الجرادُ يحصدُ سنابلَ الجمالِ، ويبيضُ؛ هذي فراخه تنقر بنهمٍ براعمَ الأملِ
المشرئبَةَ. وأنا لازلتُ فلاحاً نشيطاً أحرثُ الفكرَ بسكَّةِ النورِ. وأبذرُ
الحروفَ في هذه البيداءُ أجراساً تدقُّ لترقى للآدانِ، أمشِّطُ النفوسَ لتستقبلَ
المطرَ. أناشدكَ الرحمةَ والسلامَ أيُّها المطرُ.
مرام عطيّة
سوريا