هذا اللّيلُ يجثُو على صدرِ لحظاتي؛ يُطفئُ ذرّاتِ النّورِ في عيني فتصطفّ الأشجارُ مصلوبةً بيني وبين المدى. وحدُها طيورُ اللّيل تترنّحُ بينَ الآكاسيا؛ طيورُ اللّيل مثلي تعشقُ العتمة، أو هكذا يبدو.
طيورُ الليلِ خفافيشٌ اعتادتْ أنْ تعجنَ الظلمةَ بروحِ الصّمتِ. وأنا تعلمتُ منها لذةٓ النسيانِ. فهي لا تعرفُ أبدًا طريقٓ العودةِ وأنا مثلها؛ نسيتُ أنّني كنتُ هناك نطفةً أستمدّ من نسغِ أمي الحياة. و منذُ الفطامِ الأولِ؛ ذلك الفطامُ الذي دفعني إلى متاهةِ الحياةِ؛ منذُ ذلك الوقتِ وأنا أدخلُ بابًا و أخرجُ من آخر.
الحياةُ متاهةٌ، وأنا لا أجيدُ التسكّعَ في مساراتِها، مع ذلك لا بد أن أخوضَها خطوةً خطوةً، وأنْ أطرقَ جميعَ أبوابِها حتّى تفكَّ الشمسُ ضفائرَها وتحطَّ النوارسُ على شبّاكي. عندها سينفتحُ بابي فألجه وأقاسمُ الطيرَ غبطةَ النهار.
العامرية سعدالله؛ تونس