نصيّف الشمري
زامنتْ حياتي حربَ الإنقاذِ التي خسرتْ جبروتَها أمام هلع الأطفالِ
وصرخة المدنِ المحروقةِ. الحُلم لم يبلغ نشوةَ حبّه. بدأت بترتيب أحلامي على بداية
حربٍ لخيباتِ أملٍ حين ادركتُ أنَّ الانسانَ غايةُ الغاياتِ في أن يكون الخاسر.
صار عمري حربين وبعضا من حربٍ باردة. تعلّمتُ منها ومن رهان العلماء أنّ حياتنا
ستعود لعصورٍ فيها ورق الأشجار أفضل من خيوط القز. احتفظت بحصاتين، لأقدحهما شراراً أشعل نار
الأولمب. أذكر أنّي قرأتُ في حروب التحرير على جنح فراشة ومضة الضياع، وما النصر
الا خسارة انسان حَلِمَ يوما بمدينةِ حُبٍ خارج أسوار الحرية.
* نصيف علي
الشمري شاعر عراقي تولد 1955 بغداد . عضو في مجموعة تجديد لكتابة السرد
التعبيري. ظهر أسمه في كتاب (قصائد نثر مختارة) و ( سرديات ) و هما من المجاميع
المشتركة في السردية التعبيرية.
حركة النصّ في قصيدة نصيّف الشمري ( هذيان
من حمى الحرب) بقلم د انور غني الموسوي.
نصيّف الشمري شاعر
السلام و الحرية و أحد كُتاب السرد التعبيري. ظهر أسمه في مجلة ( تجديد) التي هي السجل
التأريخي لكُتاب هذا الشكل الأدبي. لاقت
كتاباته اعجابا و قبولا من قبل القراء و المجلات الأدبية كما هو حال باقي نصوص
كُتاب السرد التعبيري وهذه هي احدى المهام و الرسائل التي تحملها مجموعة السرد
التعبيري بأن تكتب نصا قريبا من الناس محبوبا و مؤثرا مع جماليته و عذوبته الظاهرة
وهذه الميزة واضحة جدا في كتابات نصيف الشمري.
انّ السردية التعبيرية
و من خلال احتكاكنا بالوسط الذي هو خارج المجموعة تقابل بشيء من عدم الألفة وهذا
أمر طبيعي و يدلّ فعلا على أن شيئا جديدا يحدث. و قبل هذا كله فان السردية
التعبيرية تقدم نصا جميلا و عذبا و فنيا ابداعيا بلا ريب، كما ان السردية
التعبيرية توفّر اضافة الى حرية الكتابة امكانية و طاقات تعبيرية لا يمكن ان تتوفر
في غيرها من اشكال الشعر بما فيها القصيدة الحرة المشطرة و التي تسمى بشكل مغلوط
بقصيدة النثر.
من الطاقات و
الامكانات التي توفرها السردية التعبيرية و التي هي سرد يحقق الشعر حيث الشعرية و
الغنائية تنبثق من وسط النثر و السرد، بشعر كامل و متجل في نثر كامل و متجل أيضا فيحل
التوافق بدل التضاد. اقول من الامكانات التي توفرها السردية التعبيرية هو اسلوب
الحركة الداخلية في النص، و هذا يتأتى بشكل واع او غير واع بفعل الطبيعة السردية
للنص، فكما ان في الفنون القصصية تطور زمني و حدثي فان في قصيدة السرد التعبيري
تطور حركي في الذهن و الوعي لا يكون حدثيا و لا زمنيا و انما يكون شعوريا و ذهنيا و
تصويريا بفعل السرد النصي. بمعنى آخر ان قصيدة السرد التعبيري بخلاف القصيدة
التصويرية المعهود لا تعتمد المجانية و الدورانية و التشظي و التخفي و انما تعتمد الحركة
و الانسيابية و التطور و التنامي، لذلك فانها عادة ما تكون منظمة و متناسقة من حيث
الصور و الافكار خالقة بذلك حركة نصية داخلية تشبه كثيرا الحركة الزمنية و الحدثية
في السرد القصصي، الا ان الفارق لاهم ان الحركة النصية في السرد القصصي هي حدثية و
شخوصية أي انها لغوية منطقية اما في السرد
التعبيري فهي شعورية و تصويرية أي انها شعورية تجريدية، وهذا الأمر وهو ادراك ثقل
و زخم شعور اللغة هو اهم الفوارق التي يتصف بها الشعر عن النثر، لذلك فالسرد
التعبيري شعر بامتياز، و لاجل وحدته العضوية العالية فهو قصيدة شعرية كاملة
ومتميزة تتجلى فيه القصيدة بأقوى صورها.
انّ تحقيق حركة بأدوات تجريدية هي أحدى التطلعات
التي تبنتها الحركة المستقبلية و ان كانت هناك عناصر اخرى ملازمة لها كالمدنية و
الحضارية، الا ان الحركة التعبيرية بأدوات غير توصيلية هي من أهم تلك العناصر. في
السرد التعبيري تتحقق هذه الحركة التعبيرية و التي لا تكون بالجانب المعنوي الافادي
و التوصيلي للكلام و انما بفعل مكونات و عناصر نصية غير الافادة و المعنى و انما
تكون بالصور و المشاعر و الزخم الشعوري و التأثيري و غيرها من المعادلات
التعبيرية. و نجد هذه الحركة في قصيدة ( هذيان من حمى الحرب ) في الصيغ التالية :
ان العنوان بذاته يشتمل على جملة حركية من
حيث انها مركبة و ليست عنوانا مختصرا و من حيث اشتمال المضمون على حركة و فاعل و
منفعل بها و مكونات نصية هي كالشخوص في القصّة . ثم يقول الشاعر (زامنتْ
حياتي حربَ الإنقاذِ التي خسرتْ جبروتَها أمام هلع الأطفالِ وصرخة المدنِ
المحروقةِ. ) هذا هو المقطع الاول ثم يقول ( الحُلم لم يبلغ نشوةَ حبّه. بدأت
بترتيب أحلامي على بداية حربٍ لخيباتِ أملٍ حين ادركتُ أنَّ الانسانَ غايةُ
الغاياتِ في أن يكون الخاسر. ) وهذا هو المقطع الثاني ( صار عمري حربين وبعضا من
حربٍ باردة. تعلمت منها ومن رهان العلماء أنّ حياتنا ستعود لعصورٍ فيها ورق الأشجار
أفضل من خيوط القز. ) و هذا هو المقطع الثالث ثم يقول ( احتفظت بحصاتين، لأقدحهما شراراً أشعل نار
الأولمب.) و هذا هو المقطع الرابع ثم يأتي المقطع الخامس و الاخير ( أذكر اني قرأت في حروب التحرير على جنح فراشة
ومضة الضياع وما النصر الا خسارة انسان حَلِمَ يوما بمدينةِ حُبٍ خارج أسوار
الحرية. )
نلاحظ ان النص من حيث البوح و الشكوى و البيان و الزخم
الشعوري تطوّر من عالم الخيبات في المقطع الاول ثم الى حالة الفحص و الترتيب في
المقطع الثاني ثم الى حالة النهوض في المقطع الثالث و كان الرابع ذروة الانجاز و
التحقيق و اما المقطع الخامس فكان خاتمة تلخيصية مع اسلوب شعري انزياحي استعملت
فيه لغة تعبيرية عميقة باستبدال المعاني يتمثل بعبارة ( حلم يوما بمدينة حبّ خارج
أسوار الحريّة) اذ الكسر للمنطقية واضح هنا.
من خلال ما تقدم من الترتيب و التصاعد الحاصل داخل النص
بالبثّ و البوح و الثقل المشاعري و الاحساسي بل و التصويري ايضا يحقّق النصّ حركة
تعبيرية تطوريّة في النصّ ظاهرة جداً.
ملاحظات
(1) جميع الحقوق بخصوص النص و المقال محفوظة لمجلة تجديد فلا يجوز نشر أي منهما باي شكل كان الا كاقتباس او في كتاب خاص بأدب المؤلف مع الاشارة الى المصدر.
(2) كثير من التعابير و المصطلحات الواردة في المقال مبيّنة و مفصّلة في كتاب ( التعبير الأدبي) لصحاب المقال د أنور غني الموسوي و المنشور في مدونته الخاصة على العنوان التالي:
http://anwerganiblog.blogspot.com/p/blog-page_26.html