خفّاش ليس من الطيور


حسين الغضبان


 يتمرّد على شكل الفأر. يداه الممتدّتان تجعل منه طيراً. أذناه الكبيرتان ومسافة حاسّته البعيدة تجعله يحتالُ على ساعديه النحيفتين. يصرّ الاّ أن ينام مُعلّقا في العلالي، لئلا يسقط فيعود فأراً ترفضه الفئران. ولكي يثبتَ أنّه باسل يتربّص مرتقباً بمخلوقات تأتي من وراء الشمس، يجعلها طعاماً يتذوّقه بلذّة الانتصار. لايخشى الشمس، يختبئ لئلا تحسبهُ العيون طيراً، سوف يحبسونه في قفصٍ بعد ما يرونه باسلاً في قتال حشرات مُندسّة في الليل.







* حسين الغضبان شاعر عراقي من مواليد بابل 1957 . يعمل سكرتير تحرير جريدة ضفاف الفرات و عضو الرابطة العربية الثقافية .ظهر اسمه في مجلة تجديد المتخصصة بالسرد التعبيري. صدر له ( هموم النواعير ) و  له ( مسيرة بين ظهور الاقواس).











التجلي الأقصى للنثر في قصيدة   ( خفاش ليس من الطيور) بقلم د أنور غني الموسوي


رغم ان الفرنسي  برتران (Aloysius Bertrand ) قد ابدع قصيدة النثر في عام 1842، الا انها اصبحت و في فترة قياسية ارثا عالميا و ما عاد من المفيد الحديث عن الريادة المحلية او الجغرافية في امريكا او روسيا او المنطقة العربية او في العراق مثلا، و خصوصا ان العولمة الآن جعلت كل ما يحدث في اي جزء من العالم يصل مفصلا الى ابعد جزء بفعل التكنولوجيا و الاتصالات و يؤثر و يتأثر به. كما ان البحث عن السمات المحلية للكتابة او غيرها من العناصر الثقافية لم يعد واقعيا في ظل تلك الحقيقة و انما الواقعي هو البحث عن السمات المشتركة للكتاب بين مجموعة كتاب وهذا ما حصل فعلا في مجموعة تجديد مجموعة السرد التعبيري، و التي تبنت كتابة قصيدة النثر بشكل متميز منطلقة من رؤى اشتمال قصيدة النثر على التضاد بين الشعرية و النثرية و لا بد من ان يكون النثر حاضرا و مجسدا كما هو الشعر، و هذا لا يكون طبعا الا باعتماد كتابة نثرية واضحة و جلية من دون اي تفنن شكلي او سطحي، بل يكون الاعتماد على الابهار و الصدمة العميقة، حيث ان للغة ثلاثة مستويات يمكن احداث التفنن فيها؛ المستوى السمعي للكلام و المستوى البصري للكتابة و المستوى الذهني متعلق بالفهم  و الاخير ينقسم الى مستوى الفهم السطحي الظاهري متعلق بالتوصيل و الى مستوى عميق متعلق بالدلالة و الانثيال وهذا كله من الواضحات و الوجدانيات.
ما يعتمده الشعر المعهود هو التفنن في احد المستويات الشكلية بتفنن سمعي او تفنن بصري او تفنن في البنية السطحية التوصيلية للغة و هذا كله خلاف نثرية النص، بل لا بد للنص النثري ان يكون ضمن المعروف من النثرية في بنيته السمعية و البصرية و التوصيلية، وهذه الحالة هي التجلي الأقصى للنثر. و من الواضح انه ليس من السهل أبدا توليد الشعر الكامل في نثر كامل بهذا التجلي الا مع قدرة و تجربة كبيرة.
في قصيدة ( خفاش ليس من الطيور) للشاعر حسين الغضبان نجد تجليا أقصى للنثر، و من هذا النثر ينبثق الشعر بالرمزية و الايحائية و بما يستحضر من انثيالات و تداعيات واضحة عند القراءة .
(خفّاش ليس من الطيور)
حسين الغضبان
 يتمرّد على شكل الفأر. يداه الممتدّتان تجعل منه طيراً. أذناه الكبيرتان ومسافة حاسّته البعيدة تجعله يحتالُ على ساعديه النحيفتين. يصرّ الاّ أن ينام مُعلّقا في العلالي، لئلا يسقط فيعود فأراً ترفضه الفئران. و لكي يثبتَ أنّه باسل يتربّص مرتقباً بمخلوقات تأتي من وراء الشمس، يجعلها طعاماً يتذوّقه بلذّة الانتصار. لا يخشى الشمس، يختبئ لئلا تحسبهُ العيون طيراً، سوف يحبسونه في قفصٍ بعد ما يرونه باسلاً في قتال حشرات مُندسّة في الليل.


لقد اعتمد الشاعر على التقنيات النثرية العادية للكتابة فكانت المقطوعة في ظاهرها و بنيتها السطحية مقطوعة نثرية و هذا امر مهم لقصيدة النثر، و نجد ايضا العناصر الاسلوبية النثرية واضحة في النص حيث السرد يشتمل على جميع النص مع بناء جملي متواصل من دون فراغات او سكتات و لا تشطير او تشظي، و البنية السطحية متماسكة و واضحة الا ان العبارات حملت بطلقات ايحائية جلية و الكلمات حملت بطاقات رمزية ظاهرة.



ملاحظة:
(1)            جميع الحقوق بخصوص النص و المقال محفوظة لمجلة تجديد فلا يجوز نشر أي منهما باي شكل كان الا كاقتباس او في كتاب خاص بأدب المؤلف مع الاشارة الى المصدر.
(2)            كثير من التعابير و المصطلحات الواردة في المقال مبيّنة و مفصّلة في كتاب  ( التعبير الأدبي) لصحاب المقال د أنور غني الموسوي و المنشور في مدونته الخاصة على العنوان التالي: