حسن المهدي
في هذه المرّة كنتُ قائماً أرقب شجرتي عند خطّ الزوال، وحيدةً، عارية، ومهلهلة في الوجع البارد، كلّما استطال ظلُّها المدبّب النحيف ليرسم زاوية ميّتة على الأديم البربرّي الموحش المسوّر بفزاعات مضحكة. وفي هذه المرة أيضا، ومن نفس الزاوية الميتة، وفيما أسراب الزرازير التي تشاكس قطيعا غيميّا باستعراض بهلواني مذهل، محلّقة في بؤرة ضوئية أحادية البعد تمتد للأعلى كنسغ يشرئب متضرعاً لنفق سماوّي معتم حتى بتّ لا أكاد أبصر يدي وهي تنفذ في اللحاء المقدّد وكأنها لم تطله، فتمر في الهباء الثلجي ولم تعد ترسم لي كما كانت زعنفة أو قارباً أو عصا ساحر في استطالة ظلّها الممدّد الشحيح الذي ينوء تحت مداس قدمَيّ المتخشبتين.
في هذه المرة كان الظلّ شمعاً يسيح من خدّ الشمس ويتسربل في احمرار الغروب. أدركت مليّا أنّ هذه المرّة قد تكون آخر مرّة حقاً، فرميت لسرب الزرازير المغادرة تلويحة وداع لكنّه و يا خيبتي لم يلتقطها. هل لأنني في زاوية ميتة؟
· حسن المهدي شاعر وكاتب عراقي من مواليد 1957 ديالى . صدر له ديوان ( المماس) 2016 . ظهر أسمه في العديد من المجلات والصحف العراقية منها مجلة تجديد المتخصصة بقصيدة النثر المكتوبة بالسرد التعبيري.
هامش بقلم د أنور غني الموسوي : الموجهات الدلالية التعبيرية في " زاوية ميتّة"
أكثر ما يواجهنا في قصيدة الشاعر حسن المهدي "زاوية ميتة" هو الوصفية التعبيرية التي تحقق التماسك و الوضوح في البنية السطحية مع عمق واسع الدلالة. كان لأستخدام موجهات و نعوت و قيود دلالية ذات بعد تعبيري و ايحائي دورا في تحقيق ذلك الانفتاح و التوسيع الدلالي و التعظيم لطاقات اللغة. و هذه الحالة من التعظيم لطاقات اللغة ساعدت في تحقيقها كتابة النصّ بأسلوب السرد التعبيري، و الذي يعطي الكاتب مساحة واسعة في تضمين نصّه موجهات تعبيرية ايحائية و مزية لا يكون بمقدور الاشكال الشعرية الأخرى استيعابها كما هو واضح.
انّ وظيفة الموجهات الدلالية في الكلام العادي تضييق المعنى و تصغير المساحة الدلالية للكلام و عباراته بينما في الموجهات الدلالية التعبيرية الرمزية و الايحائية كما في قصيدة "زاوية ميتة" فوظيفتها توسيع المعنى و تعظيم المساحة الدلالية للكلام و عباراته. ونقصد بالموجهات الدلالية التعبيرية وضع وصف او قيد اعتراضيّ تشخيصيّ و تحديد اتجاه الفهم و المجال المعنوي المتحقّق في الجملة الا انه ليس بقصد تضييق المعنى و تصغير مساحة الدلالة بل بالعكس لأجل توسيع المعنى و تعظيم الدلالة.
انّ الجملة -اي جملة- تسعى في طريق الفهم و الافادة نحو اتجاه معنوي معين اكثر تشخيصا و اصغر دلالة، و الذي يحدّد ذلك الاتجاه هو المفردات الموجّهة من نعوت و اضافات و اعتراضات و اشارات توصيلية و بيانية، و نلاحظ و بوضوح انّ الجمل في قصيدة "زاوية ميتة: معبّأة بالمفردات الموجّهة، الا ان الذي فعلته ليس تضييق المعنى و تصغير مساحته الدلالية بل توسيعه و تعظيم دلالته.
ما نجده في نصّ " زاوية ميتة" موجهات دلالية زادت النصّ تكثيفا و سعة لأن الموجه الدلالي هنا لم يكن بيانيا و توصيليا و انما كان ايحائيا و رمزيا، و هذه هي النقطة المهمّة التي تجعل هكذا موجهات دلالية تختلف عن القيود و النعوت التوصيلية البيانية.
انّ هذه التجربة تكشف و بوضوح انّ التكثيف و الانفتاح الدلالي كما يمكن ان يكون في النصّ المضغوط لفظيا و القصير و المختزل في تركيبه اللفظي فأنّه يمكن ان يكون بسرده السلس و بالموجهات و النعوت التعبيرية. بمعنى آخر ان التكثيف و الاختزال في النصّ ليس ظاهرة شكلية كما يعتقد بل هو ظاهرة ذهنية، فلربما جملة متكونّة من نصف سطر تكون مطولة لاعتمادها موجهات توصيلية بينما نجد نصّا يتجاوز الصفحة أكثر تكثيفا منها لأنه اعتمد موجهات تعبيرية رمزية و ايحائية كما هو الحال في قصيدة "زاوية ميتة".
سنشير هنا الى تلك الموجهات التعبيرية و التي سنضعها بيّن قوسين للتمييز و الاختصار. فنجد انّ الشاعر لم يكتف في بيان رؤيته من زاوية مطلقة و انما بيّن انها (ميتة ) ثم هو يرقب شجرته (عند خط الزوال) وهذا توجيه ايحائي، تلك الشجر لم تكن حرّة المعنى بل هي ( وحيدة، عارية، ومهلهلة ) في ( الوجع ) و ليس أي وجع بل الوجع (البارد ) . انها كلّما استطال ظلُّها ( المدبّب ) و (النحيف) ليرسم زاوية ( ميتة) كان ذلك (على الأديم) (البربرّي) (الموحش) (المسوّر) (بفزاعات) ( مضحكة). و هنا في هذا الجملة بلغت الموجهات الدلالية تجليّها الاقصى في توجيه المجال الدلالي الى مجالات خاصة و دقيقة الا انها ليس توصيلية و بيانية بل رمزية و ايحائية. ثم يبين انه في هذه المرة ايضا (ومن نفس الزاوية الميتة ) (وفيما اسراب الزرازير ) التي (تشاكس قطيعا غيميّا) (باستعراض بهلواني مذهل) (محلقة في بؤرة ضوئية) ( احادية البعد) تمتد للأعلى كنسغ ) و هو ليس أي نسغ بل نسغ ( يشرئب متضرّعا لنفق سماوي ) وايض هو (معتم ) ثم يقول: وهي تنفذ في اللحاء و ليس أي لحاء بل اللحاء (المقدّد ) (وكأنها لم تطله) فتمر في الهباء وهو ليس أي هباء بل الهباء (الثلجي ) في استطالة ظلّها (الممدّد) و ( الشحيح).
انّ هذا النصّ المكثّف في بنيته العميقة يعلّمنا انّ الموجهات الدلالية التعبيرية بأبعادها الرمزية و الايحائية تزيد من المساحة المعنوية و الطاقات الدلالية للكلام بخلاف الموجهات الدلالية البيانية المعهودة التي تضيّق المعنى و تصغّر مساحته الدلالية.
انّ وظيفة الموجهات الدلالية في الكلام العادي تضييق المعنى و تصغير المساحة الدلالية للكلام و عباراته بينما في الموجهات الدلالية التعبيرية الرمزية و الايحائية كما في قصيدة "زاوية ميتة" فوظيفتها توسيع المعنى و تعظيم المساحة الدلالية للكلام و عباراته. ونقصد بالموجهات الدلالية التعبيرية وضع وصف او قيد اعتراضيّ تشخيصيّ و تحديد اتجاه الفهم و المجال المعنوي المتحقّق في الجملة الا انه ليس بقصد تضييق المعنى و تصغير مساحة الدلالة بل بالعكس لأجل توسيع المعنى و تعظيم الدلالة.
انّ الجملة -اي جملة- تسعى في طريق الفهم و الافادة نحو اتجاه معنوي معين اكثر تشخيصا و اصغر دلالة، و الذي يحدّد ذلك الاتجاه هو المفردات الموجّهة من نعوت و اضافات و اعتراضات و اشارات توصيلية و بيانية، و نلاحظ و بوضوح انّ الجمل في قصيدة "زاوية ميتة: معبّأة بالمفردات الموجّهة، الا ان الذي فعلته ليس تضييق المعنى و تصغير مساحته الدلالية بل توسيعه و تعظيم دلالته.
ما نجده في نصّ " زاوية ميتة" موجهات دلالية زادت النصّ تكثيفا و سعة لأن الموجه الدلالي هنا لم يكن بيانيا و توصيليا و انما كان ايحائيا و رمزيا، و هذه هي النقطة المهمّة التي تجعل هكذا موجهات دلالية تختلف عن القيود و النعوت التوصيلية البيانية.
انّ هذه التجربة تكشف و بوضوح انّ التكثيف و الانفتاح الدلالي كما يمكن ان يكون في النصّ المضغوط لفظيا و القصير و المختزل في تركيبه اللفظي فأنّه يمكن ان يكون بسرده السلس و بالموجهات و النعوت التعبيرية. بمعنى آخر ان التكثيف و الاختزال في النصّ ليس ظاهرة شكلية كما يعتقد بل هو ظاهرة ذهنية، فلربما جملة متكونّة من نصف سطر تكون مطولة لاعتمادها موجهات توصيلية بينما نجد نصّا يتجاوز الصفحة أكثر تكثيفا منها لأنه اعتمد موجهات تعبيرية رمزية و ايحائية كما هو الحال في قصيدة "زاوية ميتة".
سنشير هنا الى تلك الموجهات التعبيرية و التي سنضعها بيّن قوسين للتمييز و الاختصار. فنجد انّ الشاعر لم يكتف في بيان رؤيته من زاوية مطلقة و انما بيّن انها (ميتة ) ثم هو يرقب شجرته (عند خط الزوال) وهذا توجيه ايحائي، تلك الشجر لم تكن حرّة المعنى بل هي ( وحيدة، عارية، ومهلهلة ) في ( الوجع ) و ليس أي وجع بل الوجع (البارد ) . انها كلّما استطال ظلُّها ( المدبّب ) و (النحيف) ليرسم زاوية ( ميتة) كان ذلك (على الأديم) (البربرّي) (الموحش) (المسوّر) (بفزاعات) ( مضحكة). و هنا في هذا الجملة بلغت الموجهات الدلالية تجليّها الاقصى في توجيه المجال الدلالي الى مجالات خاصة و دقيقة الا انها ليس توصيلية و بيانية بل رمزية و ايحائية. ثم يبين انه في هذه المرة ايضا (ومن نفس الزاوية الميتة ) (وفيما اسراب الزرازير ) التي (تشاكس قطيعا غيميّا) (باستعراض بهلواني مذهل) (محلقة في بؤرة ضوئية) ( احادية البعد) تمتد للأعلى كنسغ ) و هو ليس أي نسغ بل نسغ ( يشرئب متضرّعا لنفق سماوي ) وايض هو (معتم ) ثم يقول: وهي تنفذ في اللحاء و ليس أي لحاء بل اللحاء (المقدّد ) (وكأنها لم تطله) فتمر في الهباء وهو ليس أي هباء بل الهباء (الثلجي ) في استطالة ظلّها (الممدّد) و ( الشحيح).
انّ هذا النصّ المكثّف في بنيته العميقة يعلّمنا انّ الموجهات الدلالية التعبيرية بأبعادها الرمزية و الايحائية تزيد من المساحة المعنوية و الطاقات الدلالية للكلام بخلاف الموجهات الدلالية البيانية المعهودة التي تضيّق المعنى و تصغّر مساحته الدلالية.