كبرنا وانتهت الأغنية




رياض الغريب


سأفكر بالنسيان وأخترع طرقاً جديدة للمرور عبرها اليك أايّها الوقت الذي انتهيتَ هكذا دون أن تخبرني عن فصول الأغنية أو عن الحكمة في ارتداء الضحكة عند البكاء لم تعطني شجرة واحدة كي أجعل منها ظلّي حين تباغتني كلمات الأغنية.
نحن مشينا وانتهى الأمر لكنّنا لم ندرك أنّ الندوب رسمت ملامح وجوهنا هي مسألة وقت قالها وصوّر الأمر نزهة قرب بحيرة وصيد سمك وشواء وكأس فارغ لأوهام زرعها في قلوبنا وكان ممثلا جيداً في اداء دور ممثلٍ سيء في أخبارنا الحقيقة.
نحن مشينا  وانتهت الاغنية الحمام الذي حملناه رسائلنا لم يعد بعد أن غاب عن أفقنا وانكسر الغصن الذي رسمناه على قلوبنا. وصلنا للسؤال دون ان نمسك طرف الحكاية وارتجفنا في الاعتراف واعتقدنا أننا تحررنا تماماً من عويله ووصايته التي تركها في الأمنية.
أرهقنا التوقف قرب النسيان قلنا علينا أن نكون اكثر جرأة في عبور الحقل.
لستَ وحيدا في هذا الحقل .
الخطوات التي تسير بها، عليها ان لا تتعجل.
الحقل واسع، وانت لست وحدك.
كلّ حقل تمر به، أترك بذرة لتنمو.
 ضع علامة على شجرة، تشير أنك كنتَ هنا. لكنك لست وحدك .
قبلك أحدهم عبر من هنا. كان حزيناً ومتورما بالندوب. لكنه مرّ مطرق الرأس
في نهاياته. حدّق لأوراق الحقل، لخريفه، وابتسم مرددا :
انك لست وحدك
الوحدة دخلت جيوبنا وسارت معنا في الطريق الذي قلنا فيه نحن مشينا لتأويل العشبة وما يمكن أن يقال عنه الجرح أو نهر الدموع فوق أوراق تركتنا نلهث في تأويل الأفق الذي تلوّن بصورنا القديمة على تلّ من الرمل جلسنا ننتظر ونقول انّك لست وحدك ايها الراكض في المقبل من الريح.
نحن سمعنا الصوت خلف تراب. بعضهم أراد أن يسميه قبراً أو كيسا يضمّ أحلامنا أو قميصا مقدوداً أو حكمة التاريخ الذي تلوّث بهم وتشوّهت الرواية على لسان تلعثم  بالأغنية.
نحن مشينا والمحبوبات مسهنّ جنون الانتظار وتخمر الوجع في أرواحهن من صورنا المعلقة فوق رؤوسهن يأكل من غبارها العمر الذي خدعته المفردة وتضخم في أوردتها التأويل لمعنى ( عاشق يدافع عن محبوبته). لم نكن نصفّق للقطار النازل بأرواحنا كنّا نقول لبعضنا هي رحلة قصيرة وسنعود لهنّ نقبل انتظارهنّ وتحمر من خجل الكلمات قلوبهنّ هكذا كنا.
نحن مشينا وكنا نردد  ( وطن سالم لأجيالنا) وحين افترشنا المدن الخراب تركنا خلفنا وطنا تعمد بضوء المحنة في انكسار الأبناء وصحنا أولادنا.
أولادنا أشجار حدائق، كلما أثمرت، أوقدوا لها حربا جديدة.
كلما خرجوا بنزهة، امتلأت السماء بالطائرات والقنابل المغفلة.
كلما أرادوا العبور للضفة الأخرى، انتشرت على السواحل جثث أحلامهم.
أولادنا خطأ فادح، ارتكبناه هنا.
سيقول لي: شاعر يكتب عن الجميلات فقط. انك سوداوي.
أقول له : هذا ( شليلي)، أعطني لحظة فرح في تلك البلاد، لأرقص.
نحن مشينا لحرب لم نكن طرفا بها كنا وقودا وأغنيات فوق تراب لمنا على عجل وأرسالنا بأكياس لأمهاتنا وحبيباتنا المفترضات في رؤوسنا وكان بعضنا حارسا أمينا لشاحنات العظام في برّدات شرق البلاد وغربها وشمالها وجنوبها وكانت الأغنية تصرخ في وجوهنا ( حتى الورد لا يختفي) لكنه اختفى في صورنا ونحن نتوكأ على تجاعيدنا وهي تقول انتم لستم بخير.